مدينة ديميه السباع Soknopaiou Nesos – أسطورة مدينة الأسود في قلب الصحراء المصرية – (تراث ثقافي)
مدينة رومانية يونانية قبطية قديمة توالت عليها الأجيال من زمن لآخر لانها كانت عبارة عن شبه جزيرة تستخدم للتبادل التجاري البري والبحري بين البلاد.
على أطراف بحيرة قارون، وعلى تلة مرتفعة تتناثر فوقها آثار من الطوب اللبن، تقف أنقاض مدينة عتيقة تهمس بحكايات الحضارات المتعاقبة… إنها ديميه السباع، المدينة التي جمعت بين عبق اليونان، ورصانة الرومان، وروح الأقباط، والتي ظلت نابضة بالحياة قرابة ألف عام. تأسست المدينة في القرن الثالث قبل الميلاد، في قلب مشروع استصلاح أراضي الفيوم الذي أطلقه البطالمة الأوائل، وازدهرت كميناء داخلي ومركز للتبادل التجاري البري والبحري، متصلة بالقوافل التي تعبر الصحراء الغربية نحو الواحات، ومرتبطة بموانئ البحيرة في شبكة تواصل اقتصادي نابضة بالحركة منذ أكثر من 2000 عام.
رغم أن المدينة تعرضت للانحدار والهجر في منتصف القرن الثالث الميلادي، إلا أن دلائل أثرية واضحة تشير إلى عودة النشاط إليها، خاصة داخل محيط معبدها الرئيسي، خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين، وامتدت ربما حتى بدايات العصور الإسلامية، مما يعكس قوة جاذبيتها الروحية والتجارية على مر العصور.
تمتد ديمية السباع على مساحة تقارب 660 متراً من الشمال إلى الجنوب، و350 متراً من الشرق إلى الغرب، ويشق قلبها طريق حجري مميز بطول 400 متر وعرض 6.5 متر، يُعد أحد أبرز الشواهد على تخطيط المدن في العصر اليوناني الروماني. وكانت المدينة تُبنى بمواد متوفرة من البيئة المحيطة، كطوب اللبن، مما يجعلها شاهداً حيّاً على عبقرية البناء المحلي القديم. إلى الشمال من المدينة، تنتصب بقايا معبد ضخم يعود للعصر البطلمي، خُصص لعبادة أحد تجليات الإله “سوبك” – إله المياه والتماسيح – والذي اتخذ في هذه المدينة هيئة مهيبة: تمساح برأس صقر، عُرف باسم “سوكنوبايوس”، ومنه اشتُق اسم المدينة القديم. بجواره، رافقته الإلهة إيزيس، وحمى مدخل المعبد صفّان من تماثيل الأسود الرابضة، التي منحت المدينة لاحقاً اسمها الشهير: ديمية السباع… اليوم، لم تعد الأسود رابضة، لكن المدينة ما زالت تروي بفخر قصة مجدٍ عبر قرون، تتقاطع فيها الحضارات وتتمازج فيها الأديان، لتبقى ديمية السباع شاهداً أثرياً فريداً في قلب الفيوم، وأحد كنوز مصر المنسية.