الغابة المتحجرة -ذاكرة الاشجارالتي لا تموت- (تراث طبيعي)
عند سفح جبل قطراني، وفي قلب صحراء الفيوم، ترقد واحدة من أندر عجائب الطبيعة: الغابة المتحجرة، التي تعود إلى نحو 35 مليون سنة، وتحديدًا إلى عصر الأوليجوسين السفلي. لكن لا تدع الرمال تخدعك… فهنا، حيث لا شجرة تنمو اليوم، كانت أرضًا تعج بالحياة، بأشجار استوائية عملاقة كانت تنمو على ضفاف قنوات الأنهار والبرك والمستنقعات التي غذّت المنطقة بمياهها المتدفقة من المرتفعات الشمالية الشرقية.
في زمن الفيضان، كانت الأشجار تزدهر… وفي زمن الجفاف، تموت وتُجرف من مكانها، لتبدأ رحلة أخرى نحو الخلود. حين اندفعت المياه محمّلة بالرواسب الغنية بالمعادن كالحديد، وتوغلت هذه المعادن في أنسجة الأشجار الميتة، بدأت معجزة التحجر… حيث تحل المعادن محل المادة العضوية للخشب، فتتحول الأشجار إلى تماثيل صخرية طبق الأصل، تحتفظ بشكل الجذع وألوان المعادن الجديدة. واليوم، تضم هذه الغابة المتحجرة أكثر من 300 جذع كامل، يتجاوز طول بعضها أربعين مترًا، تعود في معظمها إلى نوع نادر يُعرف باسم شجرة البوتس. لكن الغابة لم تحتفظ فقط بالأشجار، بل خبأت بين رمالها كنوزًا من حفريات الحيوانات الفقارية التي عاشت جنبًا إلى جنب مع تلك الأشجار: الترسة والتمساح والأسماك، وأسلاف الفيلة، والقردة، وحتى كائن نادر يُعرف باسم “حيوان الفيوم”… كأن الزمن تجمّد ليمنحنا نافذة نادرة نطل منها على مشهدٍ متكامل من الحياة القديمة. لهذا التفرد البيئي والجيولوجي، تُولي إدارة المحمية هذه الغابة عنايةً خاصة، لحماية إرثها والحفاظ على قصتها التي لا تُقدّر بثمن.